لم تكن مدينة طريف معروفة لدى الجغرافيا على أنها مدينة حضارية واعدة الا عندما امتدت لها يد المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في إستراتيجية أعمار الأرض وبناء المجتمع السعودي الحديث بواسطة التوطين والتمدن . ففي كل خطوة يخطوها المؤسس لبناء هذا الكيان العظيم كان البعد الحضاري الاجتماعي اهم اركانه وهنا نشأت طريف واخواتها من المدن الشمالية على خط التابلين ( خط الانابيب عبر البلاد العربية ) وهي عرعر والعويقيلة ورفحا والشعبة والقيصومه هذه المدن التي نشأت نشأة صناعية وشكلت المجتمع السعودي النموذج الذي رغب به عبدالعزيز وطمح في انشائه.
ولم يكن اختيار موقع مدينة طريف من باب الصدفة ولكنة جاء لعدة عوامل استراتيجية اهمها موقع المدينة , تقع المدينة على قمة هضبة الحماد في الزاوية الشمالية الشرقية من المملكة العربية السعودية وعلى ارتفاع 850 متر فوق سطح البحر واشتق اسمها من وادي طريف احد أودية هذه الهضبة التي يكثر فيها نبات الطرفا.
ووجود مدينة طريف في هذا الموقع اكسبها استراتيجية لا تتوفر لغيرها من المدن فهي تقع على مثلث حدودي يلتقي عنده ثلاث دول هي الاردن والعراق وسوريا اضافة الى المملكة العربية السعودية ويوفر هذا الموقع الاستراتيجي خصائص اقتصادية مميزة هي الاقرب الى دول حوض البحر الابيض المتوسط ودول اوروبا الشرقية اضافة الى انها تبعد عن دمشق 298 كيلومترا وعن بغداد 460 كيلومترا وعن مثلث الحدود الأردنية السورية العراقية 80 كيلومترا وعن بيروت 360 كيلومترا مما جعل هذا الموقع يوفر الاهمية الاقتصادية لإقامة منطقة تجاره حره تستفيد منها المملكة العربية السعودية كرافد من روافد الاقتصاد السعودي خصوصا اذا علمنا ان مدينة طريف تقع على خط طريق الحرير الذي يربط الصين بشمال اسيا وشرق افريقيا وشمال اوروبا ووجود منطقة حرة للتجارة في طريف ستنشط الحركة التجارية في شمال المملكة وتستفيد من التبادل التجاري بين الدول العربية المجاورة لها في الحدود إضافة إلي أوروبا واسيا.
كما ان هذا الموقع يشكل حلقة الوصل للمواصلات البرية والجوية فمطار طريف يمكن استخدامه للعبور الدولي (ركاب الترانزيت بين اسيا واروبا وافريقيا من خلال شركات طيران اجنبية مستفيدة من موقع المدينة بالنسبة لاوروبا وافريقيا وتوفر الطاقة ورخص ثمنها ويمكن إعادة ربط منفذ طريف البري مع كل الدول المجاورة بطرق برية خصوصاً وانه لا يوجد عوائق طبيعية تعيق او تحد من تشييد هذه الطرق ويمكن ايضاً ان توازيها انابيب للبترول والغاز في اطار مشروع استراتيجي لتسويق الطاقة على هذه الدول لزيادة عملاء المملكة في الطاقة .والأهمية الإستراتيجية الاقتصادية تتعاظم في هذه المدينة كونها تتربع على حقول ضخمة من الفوسفات حيث يقدر الاحتياط بأكثر من مليار طن متري من الفوسفات في منطقة طريف فقط تتوزع على ام عال وحزم الجلاميد وعامود الحماد وطريف والسنام ويعتبر من اكبر مخزونات الفوسفات في العالم.وينقل ترتيبها بين دول العالم في انتاج هذا المعدن من 10 إلي 6. وأدت اكتشافات جديدة من الغاز الطبيعي شرقي مدينة طريف إلى رفع الاحتياطي من الغاز في المملكة الى 268 تريلون قدم مكعب وبإنتاج يومي قدرة 12 مليار قدم3 في اليوم .إضافة إلى وجود مواد أولية وأساسية لصناعة اسمنت البناء.
ومن شأن هذه الثروات المعدنية والطاقة ان تضيف عناصر جديدة لتعزيز الاستثمار في المملكة مما ينعكس ايجابياً على نمو الاقتصاد الوطني السعودي والذي بدوره يحقق تنمية مستدامة ورخاء المواطن السعودي .وستساهم هذه المدينة ( طريف ) في توفير الغذاء لجميع شعوب العالم من خلال صناعاتها الاساسية وتوفير الطاقة .
أما في مجال السياحة والاصطياف فمدينة طريف تمتلك جوا معتدلا في فصل الصيف وتعتبر أبرد مدينة في المملكة مما يؤهلها إلي ان تكون مدينة تجذب المصطافين خصوصا إذا أنشأت فيها الخدمات المطلوبة للسياحة .إضافة إلي قربها إلي بلاد الشام وتركيا .
وفي مجال الثروة الحيوانية والتي هي احد أهم عناصر الأمن الغذائي فمدينة طريف تشتهر بمناطق رعي واسعة ويمكن أن تقام فيها مزارع الأغنام والإبل خصوصا عندما تحفر مجموعة من أبار المياه في هذه الأماكن لخدمة الثروة الحيوانية وانمائها.
لهذا فأن الاهمية الاستراتيجية لمدينة طريف تنبع من أهمية الموقع وماتمتلكه من ثروات حباها الله تعالى بها .ومن التركيبة السكانية المتناغمة والنموذجية لمجتمع نموذجي .مستلهمة ذلك من قيادتها في امارة الحدود الشمالية في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده وولي ولي العهد والحكومة الرشيدة .
اللواء /م/الركن الدكتور
علي هلهول الرويلي